على الرغم من التشكيك المستمر في إمكانية إجراء الإنتخابات البلدية، في موعدها المقرر في شهر أيار المقبل، تؤكد بعض المعطيات أن هذا الأمر محسوم، بسبب عدم إمكانية الأفرقاء المحليين الذهاب نحو تأجيلها، بعد تمديدهم ولاية المجلس النيابي مرتين، وفشلهم في إنهاء ​الفراغ الرئاسي​ القائم منذ مغادرة الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ قصر بعبدا.

في الوقت عينه، لا تبدو الساحة اللبنانية بعيدة عن التحولات القائمة على مستوى الشرق الأوسط، لا سيما بعد إعلان الأكراد عن النظام الفيدرالي في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال سوريا، ما يدفع البعض إلى الحديث عن تداعيات لن تكون البلاد بمنأى عنها، نظراً إلى أنها ستشمل كل دول المنطقة، في حال تحولت هذه الخطوة إلى أمر واقع مع مرور الوقت.

في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، عن ضغوط دولية كبيرة تُمارَس لإجراء الإنتخابات البلدية في موعدها، خصوصاً أن أي تأجيل سيعطي مؤشرات سلبية عن الأوضاع الداخلية، وتلفت إلى رسائل عدّة وصلت إلى بعض الأفرقاء المعنيين تصبّ في هذا الإتجاه، وتؤكد أن القوى السياسية، إنطلاقاً من هذا الواقع، بدأت تحضّر نفسها لخوض الإستحقاق، بالرغم من تأخّر إعدادها ماكيناتها الإنتخابية، وتشير إلى أنها ستفضّل في أغلب الأماكن الذهاب نحو التوافق على خوض معارك "كسر عظم"، بسبب الأزمات المالية التي يمر بها البعض، بالإضافة إلى المخاوف من الأوضاع الأمنية.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذه الإنتخابات ستكون مفصليّة لعدّة الأسباب، نظراً إلى أنّ البعض يريد لها أن تكون بوابة الإنطلاق نحو النظام الجديد في البلاد، في حال فشل الإتفاق على تسوية تعيد الحياة إلى إتفاق الطائف، وتلفت إلى طروحات توسيع مهام البلديات، بالتزامن مع الدعوات إلى تطبيق اللامركزية الإدارية، وتؤكد أنّ هذا الأمر لا يأتي من فراغ بل ضمن سيناريو واضح، وتشير إلى أن هناك قوى تطرح هذا الأمر في مجالسها الداخلية، وتدعو إلى التنبه جيداً إلى هذا الواقع عند إختيار المرشحين، وتذكّر بدعوة وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ إلى أن تكون هذه الإنتخابات مدخلاً عملياً نحو اللامركزية.

على صعيدٍ متصل، تشدد هذه المصادر على أن المشكلة ليست في إجراء الإنتخابات البلدية في موعدها، بل على العكس من المفترض أن يتم الأمر بشكل طبيعي، نظراً إلى أن ليس هناك ما يمنع خوض هذا الإستحقاق الدستوري، لكنها توضح أنّ ما يقدّم من إقتراحات يحتاج إلى المزيد من البحث، وبالتالي لا يمكن أن يتم توسيع صلاحيات البلديات بصورة متسرّعة، خصوصاً أن معظمها لا يملك الإمكانيات اللازمة لتلبية المتطلبات الملقاة على عاتقه في الوقت الراهن، وهو ما قد يفرض تعزيز مشاريع الإتحاد بين البلديات في المرحلة المقبلة، وتضيف: "في حال ذهاب الأمور نحو الإصرار على توسيع تطبيق مبدأ اللامركزية من دون تأمين توافق وطني حول الموضوع، فإن العديد من الإعتراضات ستخرج إلى العلن بشكل مباشر".

وتوضح المصادر المطلعة أن الشلل القائم على مختلف مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى المجلس النيابي وصولاً إلى مجلس الوزراء، في وقت تتراجع فيه فرص التوصل إلى تسوية داخلية مقبولة، سواء كانت من خلال التوافق على مشروع قانون إنتخابي أو على إسم الرئيس المقبل، يؤكد بأن لبنان سيكون على موعد مع ضغوط دولية تفرض حلولاً على جميع الأفرقاء، بعد الإنتهاء من أزمات المنطقة المشتعلة، وتشير إلى أنها قد تكون على شكل مؤتمر تأسيسي، يعيد توزيع الصلاحيات وفقاً لتوازن جديد يراعي ميزان القوى الحالي، وتلفت إلى أنه في هذه النقطة تبرز شكوك البعض من إمكانية الإطاحة بالنظام القائم، إنطلاقاً من الدعوات إلى تطبيق اللامركزية الإدارية بوصفه مبدأ إصلاحياً، وتضيف: "هذا الأمر قد يدفع البعض إلى السعي بكل قوة إلى تمديد ولاية المجالس البلدية من جديد".

في المحصلة، تكتسب الإنتخابات البلدية هذه المرة أهمية كبيرة، تبدأ من الضغوط لإجرائها ولا تنتهي عند الدعوات إلى توسيع صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة، بل تشمل المخاوف من أن تكون بوابة المؤتمر التأسيسي، الذي تحول إلى "فزاعة" عند البعض.